الاثنين، 7 نوفمبر 2016

الاحتجاج المجتمعي بالمغرب، وعي سياسي واجتماعي صاعد أم عفوية الجماهير




حبران حسن
ثمة رأي شائع في سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية متعلق بكونية ثقافة الاحتجاج باعتبارها ظاهرة اجتماعية، ففي كل مجتمع نجد ثقافة الاحتجاج لها خصوصياتها الثقافة والسياسية والاجتماعية وكذا شروط انتاجها، وتتفق في شموليتها بأنها تسعى الى تغيير الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسة لمجتمع ما، كما أنها تسعى لمطالب قد تكون مادية أو قيمية أو هما معا، ولعل ما يقع من احتجاج في المجتمع المغربي اليوم، يطرح أسئلة الثبات والمتغير، كما أننا نتساءل عن الأبعاد التي تحرك هذا الحراك المجتمعي، سواء تلك المتعلقة بوعي سياسي مجتمعي أو أخرى لها ارتباط محكم بردود أفعال اندفاعية وعاطفية.
لقد كثر القيل والقال بخصوص ما وقع للشهيد محسن فكري بمدينة الحسيمة، من قبيل أشكال احتجاجية تعبيرية متعددة، كما رفعت شعارات مختلفة ومتشابهة  في مجموعة من المدن المغربية التي عرفت ردود أفعال  حول هذه الحادثة، غير أن المتأمل لهذا الحراك المجتمعي سواء ما وقع قبل أيام قليل، أو أخرى مرة لمدة معينة، ''مي فتيحة '' وقبلها اطلاق صراح '' دانيال''، مسيرة الشموع بطنجة...، ناهيك عن أشكال احتجاجية خفية في ربوع هذا الوطن، فهنالك إذن مؤشرات تتطلب منا محالة فهما وتحليلها من خلال هذا المقال المتواضع.
لا يستقيم الحديث طبعا حينما ندرس ونحلل ونحاول فهم طبيعة هذا (الاحتجاج اللحظي)، بدون أن نستحضر بعض الدراسات النظرية التي تناولت الحركات والاحتجاجات الاجتماعية باعتبار هذه الأخيرة ظاهرة اجتماعية تختلف من مكان لآخر ومن سياق لغيره،  ولا شك أن مصطلح  "الحكرة" الذي انتفض ضده وتفاعل معه المغاربة في الحادثة الأخيرة مدينة الحسيمة، حرك عواطف معظم الشعب بأكمله دون أن ننسى ردود أفعال تكون واعية حتى لا نختزل هذا التحليل في ما هو عاطفي فحسب، ويفسر علم النفس الجماعي خاصة مع "غوستاف لوبون"  في كتابه   Psychologie des  foules الذي يضيء عقولنا عندما يشرح  جذور تصرفاتنا العمياء والاسباب التي تدفعنا للانخراط في جمهور أو التجمهر والتحمس اشد الحماس للزعيم او قائد معين الذي يلعب بمصطلحات ويكون لها ردود أفعال اندفاعية وعاطفية، من قبل جمهور يكون متأثرا لهذا الخطاب، بمعنى آخر أنه لأبسط الأحداث قد تنتفض الجماهير أو جماعة معينة خاصة اذا ما كانت القيادة هنا أكثر تأثيرا، لأن وعي الفرد هنا يكون غائبا وتتحكم فيه عواطفه، زد على ذلك المجال الاعلامي الذي انتشر فيه الخبر بشكل أسرع وبقوة تأثيرية لقيت استجابة.
 غير أن المتأمل لأمور أخرى لما يحدث من حراك مجتمعي وحركات احتجاجية في مغرب اليوم من خلال أشكال التنظيم، وحدة الشعارات خاصة المتعلقة بالمجال السياسي،  أساليب راقية في الاحتجاج كما رأينا في طنجة مؤخرا في مسيرة الشموع ضد أمانديس، وابداعات نضالية مع الاساتذة المتدربين السنة الماضية وغيرها، نستشف أن هنالك وعي سياسي وابداع جماعي لمختلف الاحتجاجات والوقفات التنديدية ومسيرات متعددة، إذ يعد الفرد هنا فاعلا ايجابيا سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي دون ان نغفل القوة التأثيرية لهذه الاحتجاجات التي يناقشها "تشارز تيلي" في سياق آخر، أنها شكل من اشكال الترابط السياسي بين اشخاص ونظرائهم الذين يشتركون بنفس الهدف ويتكافلون جميعهم لإحداث تغيير في المجتمع لأجل ذلك الهدف الذي هو طبعا تغيير الأوضاع السوسيواقتصادية والسياسية، ثم الدور المميز لهذه الاحتجاجات في الرفع من مستوى الوعي والبناء الديموقراطي، ولا ينكر اثنان الدور الذي لعبته حركة 20  فبراير (كحركة اجتماعية) في تغيير بعض الاوضاع السياسية خاصة مع دستور المملكة  2011 الذي أتى  كاستجابة لهذا الحراك المجتمعي.
وفي سياق آخر، نسجل استراتيجية الافراد الذين شاركوا ولم يشاركوا في الاحتجاجات التي ذكرناها سابقا، لأن هناك دائما أسئلة نفعية وبراغماتية قبل المشاركة في أي احتجاج، فما نشاهده اليوم من اعتصامات وتظاهرات في مراكش بخصوص قضية التعليم في المغرب والادماج الذي يطالب به المحتجين، نجد أن الفئة الحاضرة بقوة هي الفئة المتضررة بالدرجة الأولى والراغبة أيضا في تحقيق مطالبها من ادماج وتحسين المدرسة العمومية، أما بخصوص الفئات الأخرى بالرغم من تضررها هي الأخرى فنجد أسئلة براغماتية ونفعية لأن العملية هنا ليست مباشرة بما يخص المطالب التي يسعون لتحقيقها، وتفسر سوسويولوجيا التنظيمات هذه الأفعال العقلانية أنها نابعة من الاستراتيجيات والحسابات العقلانيات التي يقوم بها الافراد قبل الانخراط في أي تجمهر أو أي مسيرة احتجاجية، يطرح الافراد أسئلة براغماتية متعلقة بماذا سيستفيد وماذا سيخسر من هذا الانخراط.
وعلى سبيل الختم، يبدوا أن إشكال الحراك المجتمعي بالمغرب هو اشكال مركب يتطلب وجهات نظر من مختلف الزوايا، قصد تحليل ما يقع من انتفاض أعضاء الجسد المجتمعي بلغة دوركايم، فمن جهة يتبين أنه يعول على المجتمع المغربي كأنه قطع أشواط توعوية من الجانب السياسي والاجتماعي، وحين آخر يبدوا العاطفي والاندفاعي هو سيد الموقف، ليبقى السؤال المطروح إلى متى يمكن للمجتمع المغربي أن يفرز حركة اجتماعية واضحة وبينة، سواء على مستوى مطالبها الذي بات من الواجب أن تكون واحدة وواضحة وتهم كافة المجتمع المغربي بغض النظر أن تكون قيمية أو مادية، ويكود عدوها واضحا وتوحد أيضا صفوف مختلف الفئات الاجتماعية المكونة للمجتمع المغرب التي تظهر كل واحد في كل موسم، وهذه الوحدة طبعا هي ما يخشاه النظام السياسي، أما تشظى النضالات والاحتجاجات والطالب فلا يزيد سوى تأزما للواقع. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق