السبت، 22 أكتوبر 2016

عملية رمضان أو الهبة الرمضانية؛ علاقة سوسيوروحانية وأبعاد سياسية مقاربة سوسيوانثروبولوجي


عملية رمضان أو الهبة الرمضانية؛ علاقة سوسيوروحانية وأبعاد سياسية مقاربة سوسيوانثروبولوجية
بقلم حسن حبران
في واقع الأمر، لا يستقيم تحليلنا هذا لظاهرة “الهبة الرمضانية” أو ما يسمى في الثقافة الشعبية (المعاونة، العطاء، قفة رمضان…) دون أن نرجع إلى نموذج نظري علمي يُمَكننا من فهم ومحاولة تحليل وتأويل ظاهرة الهبة الرمضانية، ليس رغبة ذاتية فحسب، وإنما أصبحت هذه الظاهرة معيارية كلما حل علينا شهر رمضان. زد على ذلك أن الأمر يستدعينا إلى دراستها دراسة وضعية؛ غاية منا محاولة تفكيك هذه الظاهرة الموسمية والاجابة عن عينة من الأسئلة المحورية، فكيف يعمل نظام الهبة؟ وما الغاية وراء ذلك؟ وإذا كان التكافل الاجتماعي والتآخي بين الناس من بين الأسباب الظاهرة التي تدفع البعض إلى الانخراط في هذا العمل والتفاعل فيه، فما هي الأسباب الخفية، أو بصيغة أخرى ما هي القوى الكامنة داخل الشيء الموهوب؟ ثم كيف يمكننا فهم تزايد هاته الأفعال الاجتماعية في شهر يطغى عليه الطابع القدسي؟

 من المعروف أن مقولة المقدس استعملت على الخصوص، بشكل سيئ من طرف الأجيال اللاحقة، إلى درجة أن استعمالها اليوم من قبل كاتب ما يعد مغامرة[1]، ولعلنا نغامر في هذا السياق ونقول أن شهر رمضان بكونه شهرا مقدسا عند معظم ( المسلمين) “باعتباره ذلك الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم…”، إنه يحتوي على دلائل دينية أو روحانية، كما يشكل في الوقت نفسه مناسبة سياسية ذات أطماع سلطوية عند البعض الآخر؛ فحينما نستحضر توزيع الهبة الرمضانية أي تلك الخدمات أو القفة الرمضانية التي تقدمها جهات معينة إلى الطبقة الفقيرة  إذ نجد الغاية من ذلك لها أهداف سياسية دون أن نتغافل عن طابعها الاجتماعي المتمثل في نشر ثقافة التكافل والتضامن الاجتماعي، فالهبةــ حسب مارسيل موس ـــ هي علاقة اجتماعية كلية قبل كل شيء[2]، وهي علاقة تؤسس على مبدأي الواجب والالتزام، ومن هنا ندرك أن الهبة تشكل نسقا من التبادلات الضرورية تتجاوز مجرد تبادل للمتلكات، وهذا النسق ليس شيئا آخر غير النسق الاجتماعي في شموليته، بما يتأسس عليه من علاقات خدمة ومصالح سياسية وعلاقات سلطوية بالأساس.

بطبيعة الحال، أن ما نود التأكيد عليه هو أن هناك مَنطق عقلاني استراتيجي خاص يهم هذا النظام (الهبة الرمضانية) فالتحليل الدقيقة او الحقائق الصرفية تكمن فيما هو خفي باعتبار أن لا علم إلا بما هو خفي،أو بالأحرى الطرف الموهوب، وأهدافه طبعا تكون قصدية ومحددة، بحيث لا وجود لهبة مجانية؛ فكل عنصر من داخل سيرورة بناء الهبة الرمضانية يتحرك بعقلانية محضة، وهو يقدم تلك القفة الرمضانية وفي مخيلته ما يسمي مارسيل موس برد الهيبة le contre don، ف”التبادلات والتعاقدات في الحضارة الاسكندافية، كما في عدد كبير من الحضارات، كانت تتم تحت شكل تبادل للهدايا بصفة اختيارية في الظاهرة، والحال أنها كانت تتم في الواقع بصفة قسرية، إذ تستلزم كل هدية الرد عليها بأخرى”[3]، فإذا كانت المؤسسة الملكية وعينة من الأحزاب السياسة ومؤسسات المجتمع المدني تقدم الحريرة الانتخابية تحت غطاء التكافل الاجتماعي والتصدق بما ” أوتيت مطامحهم ” فإن البعد الإلزامي لدر الهيبة يبقى دين ولو بعد حين.

إن الرد على الهبة لابد أن يكون بمثلها أو بأفضل منها، فإذا كان الطرف الموهوب يقدم قفة رمضانية في سعر محدود، فإن الموهوب له لا يستسلم لهذا الأمر؛ خاصة وأن قدوم الانتخابات قد ترد بهذا الشكل أو ذاك، ثم أننا لا نستغرب عن حب روحي لمؤسسة معينة في مجموعة من مراسمها التي يمكننا اعتبارها بمثابة رد الدَّين بكيفية الولاء والطاعة. فما يفسر ازدياد ما يسمى بالتكافل الاجتماعي والتعاون والتصدق…، في شهر يزداد أكثر قدسية عند معظم المغاربة، هو أهداف استراتيجية ممزوجة بالطابع التديني لهذا المجتمع، “فالهبة كمبدأ أخلاقي واقتصادي إنساني مهم، عليه تتأسس الكثير من التشريعات الاقتصادية والقانونية المعاصرة”، [4]

 لكن، لا نقف فقط ضمن هذا التحليل المتواضع لأن الوصم الاجتماعي la stigmatisation  social يشكل حضور ضمن نظام الهيبة الرمضانية، فعندما نستحض أفراد معينين قادمين من طبقة (فقيرة) الذين  قد يرفضون  هذه “القفة الرمضانية” أن تقدم لهم، ليس لأنهم ميسورين وإنما مخافة أن يوصموا بأنهم فقراء من طرف أفراد المجتمع، وبالتالي  التقليل من المكانة الاجتماعية؛ أي أن تبنى تلك النظرة الدونية تجاه الطرف الموهوب له. لذى تلجأ بعض المؤسسات لتقديم هاته الهبات بشكل غير ظاهر( الليل مثلا أو ارسالها عبر المقربين…) لكن هذا لا ينفي تلك الأهداف الاستراتيجية منها  السياسوية والاجتماعية.

حسن حبران

[1]  فرانسوا غوتيي، موس والدين إرث موس عند ليفي ستراوس وباتاي (وتجاوز موس لهما)، الملفات البحثية- قسم الفلسفة والعلوم الانسانية 01 فبراير 2016، تراث الأنثروبولوجيا الفرنسية، في تقدير الممارسة الفكرية لمارسل موس، تنسيق وتقديم: يونس الوكيلي، مؤمنون بلا حدود، ص 17

[2] Jacques Godbaut et Alain caillé : L’esprit du don, Edition de la découverte. Paris 1992, P15

[3] مارسيل موس ، مقالة في الهبة Essai sur le don، أشكال التبادل في المجتمعات الأرخية وأسبابه، ترجمة وتحقيق محمد الحاج سالم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت-لبنان، جنانفي 2014، ص20.

[4]  يوسف بن موسى، أنثروبولوجيا الهدية وأنساق التبادل، عرض كتاب الهبة لمارسيل موس، الملفات البحثية- قسم الفلسفة والعلوم الانسانية 01 فبراير 2016، تراث الأنثروبولوجيا الفرنسية، في تقدير الممارسة الفكرية لمارسل موس، تنسيق وتقديم: يونس الوكيلي، مؤمنون بلا حدود، ص 66.

فصل المقال في ما بين السياسة والعلاقات الاجتماعية من انفصال



زاوية نظر: فصل المقال في ما بين السياسة والعلاقات الاجتماعية من انفصال
تنجداد 24

بقلم: حسن حبران 
الانسان كائن اجتماعي وسياسي بطبعه وبتربيته، فالإنسان لا يصير انسانا سياسيا واجتماعيا الا بطبعه أو بتربيته حتى وان كانت التربية احيانا جردته من انسانيته، ولأن العالم المعيش عالم مليء بالتناقضات والتأويلات والتفسيرات و فهام متعددة؛ كل حسب الاديولوجية التي ينطلق منها وإن كانت تدعي العلمية والموضوعية. سار من الواجب إذن أن نقف وقفة تأمل وموقف من ابراز العلاقة التي تربط وتفصل بين العمل السياسي والعلاقات الاجتماعية، وبينما نحن في زمن يتداخل فيه السياسي بالاجتماعي ازداد شغفنا بالاهتمام بالموضوع أكثر، وبمناسبة حلول الانتخابات التشريعية وما تنتجه هذه الاخيرة من صراع بين الاهل والاصدقاء والجيران…، لم نتردد في كتابة هذا المقال المتواضع الذي أتى تحت الطلب، ايمانا منا بضرورة خدمة المجتمع قبل كل شيء والفصل المقدس بين العمل السياسي والعلاقات الروحية.
في البداية، يجب أن نسجل في هذه المناسبة أن المقال مجرد مساهمة نظرية وعملية في نفس الوقت، سعيا منا بالنهوض بالوعي المجتمعي والسياسي، وقبول الاختلاف والرأي الآخر في الممارسة السياسية التي قد ينتج عنها كما قلنا سابقا خلل في المنظومة المجتمعية، فسواء كانت هذه الممارسة من داخل الهياكل التنظيمية البيروقراطية أو خارجها تبقى كيف ما كان شكلها ومضمونها محترمة وقابلة للنقد. فمن جهة، يكون العمل السياسي بكل ما يحمله المفهوم من معنى ودلالات خاصة (المؤسسات السياسية) هي قناعة ذاتية قبل كل شيء فهي التي تقترح نفسها كمؤسسات تسعى الى تنظيم الشأن العام وتسيير حياة الأفراد والجماعات، بينما يبقى الدحض لهذا الانتماء؛ فلسفة نقدية واعية بشؤونها فهي أساس تطور وتحول المجتمع لا على المستوى السياسي ولا على المستوى القيمى. ومن جهة أخرى، تكون العلاقات والأنساق والتفاعلات الاجتماعية التي تربط بين الافراد فيما بينهم أو الجماعات فيما بينها أو حتى الفرد في علاقة مع جماعة، لها دورها ووظائفها في الحياة الاجتماعية فهي أشبه الى مفهوم القداسة، ليس بطابعه الديني وإنما كقيمة وجودية ومجردة تتطلب كامل الاحترام والامتنان، فهي ارث انضافت اليه بصمتنا في الحياة كما أنه ملقى على عاتقنا تفعيله، إن علاقة هذا بذاك أشبه بأن يكون بعلاقة السياسي بالديني بينما تصورنا هنا كمن يدافع عن فصل ما هو سياسي عما هو ديني، أي فصل الاجتماعي عن السياسي، فالأول (الاجتماعي) قيمة وجودية تنصهر فيه كافة الاديولوجية والصراعات السياسية بينما الثاني (السياسي) يستدعي منا الأمر التنازل عن الاجتماعي والعاطفة والرابط الاجتماعي والعصبية القبلية…، هكذا كانت الانوار يوما ! بنزع الطابع السحري عن العالم، بالفصل الجريء بين الدين والسياسية بحرية التفكير… انه يجب أن نفصل بين العمل السياسي والتفاعلات الاجتماعية، فلو افترضنا اننا اختلفنا سياسيا فيجب ألا يؤثر ذلك على الراوبط الاجتماعية سلبا.
إن هذا النقاش الدائر حول علاقة السياسي بالاجتماعي، يطرح جملة من الرهانات، من أبرزها القدرة على فصل الوظائف والادوار السياسية والاجتماعية فيما بينها لأنه ” لكل سياق تعامل”، طبعا سنقولها بسارح العبارة أننا لا ندعي ولا ندافع عن تشكيل قطيعة اجتماعية لكل من اختلف معنا سياسيا، لان العلاقات التي تربطنا سياسيا شيء، والتفاعلات الاجتماعية شيء آخر، فحتى وان شاء القدر أن نصل سياسيا الى ما وصلنا اليه، لا يجب أن نهدم تلك العلاقات الاجتماعية الروحية التي تربط بيننا.
وتأسيسا على التجارب الانتخابوية والسياسوية التي مضت، أكيد ان العديد من الروابط الاجتماعية والروحية التي هي أساس التوازن المجتمعي وقلبه النابض، انهارت بسب السياسي، وسارت ضحية مصالح طبقة معينة التي تستفيد من هذه المعمعة وهذا الصراع ككل وبالتالي ما فائدة تجربة سياسية لم نستفد منها؟

بقلم: حسن حبران